فصل: القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

ومناسبتها ظاهرة، لأنه لما ذكر أن من كتم الشهادة فإن قلبه آثم، ذكر ما انطوى عليه الضمير، فكتمه أو أبداه، فإن الله يحاسبه به، ففيه وعيد وتهديد لمن كتم الشهادة، ولما علق الإثم بالقلب ذكر هنا الأنفس، فقال: {وأن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} وناسب ذكر هذه الآية خاتمة لهذه السورة لأنه تعالى ضمنها أكثر علم الأصول والفروع من: دلائل التوحيد، والنبوّة، والمعاد، والصلاة، والزكاة، والقصاص، والصوم، والحج، والجهاد، والحيض، والطلاق، والعدّة، والخلع، والإيلاء، والرضاعة، والربا، والبيع، وكيفية المداينة.
فناسب تكليفه إيانا بهذه الشرائع أن يذكر أنه تعالى مالك لما في السموات وما في الأرض، فهو يلزم من شاء من مملوكاته بما شاء من تعبداته وتكليفاته.
ولما كانت هذه التكاليف محل اعتقادها إنما هو الأنفس، وما تنطوي عليه من النيات، وثواب ملتزمها وعقاب تاركها إنما يظهر في الدار الآخرة، نبه على صفة العلم التي بها تقع المحاسبة في الدار الآخرة بقوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فصفة الملك تدل على القدرة الباهرة، وذكر المحاسبة يدل على العلم المحيط بالجليل والحقير، فحصل بذكر هذين الوصفين غاية الوعد للمطيعين، وغاية الوعيد للعاصين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

تعليل واستدلال على مضمون جملة: {والله بما تعملون عليم} وعلى ما تقدم آنفًا من نحو: {الله بكل شيء عليم} [آل عمران: 176] {واللَّه بما تعملون عليم} {واللَّه بما تعملون بصير} [الممتحنة: 30] {واللَّه بما تعملون خبير} [البقرة: 234] فإذا كان ذلك تعريضًا بالوعد والوعيد، فقد جاء هذا الكلام تصريحًا واستدلالًا عليه، فجملة: {وإن تبدوا ما في أنفسكم} إلى آخرها هي محطُّ التصريح، وهي المقصود بالكلام، وهي معطوفة على جملة: {ولا تكتموا الشهادة إلى والله بما تعملون عليم} [البقرة: 283] وجملة: {لله ما في السموات وما في الأرض} هي موقع الاستدلال، وهي اعتراض بين الجملتين المتعاطفتين، أو علة لجملة: {والله بما تعملون عليم} باعتبار إرادة الوعيد والوعد، فالمعنى: إنّكم عبيده فلا يفوته عملَكُم والجزاء عليه.
وعلى هذا الوجه تكون جملة: {وإن تبدوا ما في أنفسكم} معطوفة على جملة: {لله ما في السموات وما في الأرض} عطف جملة على جملة، والمعنى: إنكم عبيدُه، وهو محاسبكم، ونظيرُها في المعنى قوله تعالى: {وأسِرُّوا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق} [الملك: 13، 14] ولا يخالف بينهما إلاّ أسلوب نظم الكلام.
ومعنى الاستدلال هنا: أنّ الناس قد علموا أنّ الله ربّ السموات والأرض، وخالق الخلق، فإذا كان في السموات والأرض لِلَّه، مخلوقًا له، لزم أن يكون جميع ذلك معلومًا له لأنَّه مكوِّن ضمائرِهم وخواطرهم، وعموم علمه تعالى بأحوال مخلوقاته من تمام معنى الخالقية والربوبية؛ لأنّه لو خفي عليه شيء لكان العبد في حالة اختفاء حاله عن علم الله مستقلًا عن خالقه.
ومالكيةُ الله تعالى أتَمّ أنواع الملك على الحَقيقة كسائر الصفات الثابتة لله تعالى، فهي الصفات على الحقيقة من الوجود الواجب إلى ما اقتضاه وجوبُ الوجود من صفات الكمال.
فقوله: {لله ما في السموات وما في الأرض} تمهيد لقوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} الآية.
وعُطف قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم} بالواو دون الفاء للدلالة على أنّ الحكم الذي تضمَّنه مقصود بالذات، وأنّ ما قبله كالتمهيد له.
ويجوز أن يكون قوله: {وإن تبدوا} عطفًا على قوله: {والله بما تعملون عليم} [البقرة: 283] ويكون قوله: {لله ما في السموات وما في الأرض} اعتراضًا بينهما. اهـ.

.قال الفخر:

في كيفية النظم وجوه:
الأول: قال الأصم: إنه تعالى لما جمع في هذه السورة أشياء كثيرة من علم الأصول، وهو دليل التوحيد والنبوّة، وأشياء كثيرة من علم الأصول ببيان الشرائع والتكاليف، وهي في الصلاة، والزكاة، والقصاص، والصوم، والحج، والجهاد، والحيض، والطلاق، والعدة، والصداق، والخلع، والإيلاء، والرضاع، والبيع، والربا، وكيفية المداينة ختم الله تعالى هذه السورة بهذه الآية على سبيل التهديد.
وأقول إنه قد ثبت أن الصفات التي هي كمالات حقيقية ليست إلا القدرة والعلم، فعبّر سبحانه عن كمال القدرة بقوله: {للَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} ملكا وملكًا، وعبر عن كمال العلم المحيط بالكليات والجزئيات بقوله: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله} وإذا حصل كمال القدرة والعلم، فكان كل من في السموات والأرض عبيدًا مربوبين وجدوا بتخليقه وتكوينه كان ذلك غاية الوعد للمطيعين، ونهاية الوعيد للمذنبين، فلهذا السبب ختم الله هذه السورة بهذه الآية.
والوجه الثاني: في كيفية النظم، قال أبو مسلم: إنه تعالى لما قال في آخر الآية المتقدمة {والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة: 283] ذكر عقيبه ما يجري مجرى الدليل العقلي فقال: {للَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} ومعنى هذا الملك أن هذه الأشياء لما كانت محدثة فقد وجدت بتخليقه وتكوينه وإبداعه ومن كان فاعلًا لهذه الأفعال المحكمة المتقنة العجيبة الغريبة المشتملة على الحكم المتكاثرة والمنافع العظيمة لابد وأن يكون عالمًا بها إذ من المحال صدور الفعل المحكم المتقن عن الجاهل به، فكان الله تعالى احتج بخلقه السموات والأرض مع ما فيهما من وجوه الإحكام والإتقان على كونه تعالى عالمًا بها محيطًا بأجزائها وجزئياتها.
الوجه الثالث: في كيفية النظم، قال القاضي: إنه تعالى لما أمر بهذه الوثائق أعني الكتبة والإشهاد والرهن، فكان المقصود من الأمر بها صيانة الأموال، والاحتياط في حفظها بيّن الله تعالى أنه إنما المقصود لمنفعة ترجع إلى الخلق لا لمنفعة تعود إليه سبحانه منها فإنه له ملك السموات والأرض.
الوجه الرابع: قال الشعبي وعكرمة ومجاهد: إنه تعالى لما نهى عن كتمان الشهادة وأوعد عليه بيّن أنه له ملك السموات والأرض فيجازي على الكتمان والإظهار. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{فيغفر لمن يشاء} بإدغام الراء في اللام: أبو عمرو. وجملة أهل العلم على الإخفاء لا على الإدغام التام {فيغفر} و{يعذب} برفع الراء والباء: يزيد وابن عامر وعاصم وسهل ويعقوب. وقرأ حمزة غير أبي عمرو والحلواني عن قالون وابن مجاهد وأبو عون وأبو ربيعة عن البزي وخلف لنفسه يعذب من بالإظهار، أبو عمرو يدغم {ويعذب من يشاء} كل القرآن. {وكتابه} حمزة وعلي وخلف الباقون {وكتبه} جمعًا لا يفرق بياء الغيبة يعقوب. الباقون بالنون {أخطأنا} مثل {فادارأتم} [البقرة: 72].

.الوقوف:

{وما في الأرض} ط {به الله} ط لمن قرأ: {فيغفر} بالرفع على الاستئناف أي فهو يغفر، ومن جزم العطف لم يقف. {من يشاء} ط. {قدير} O {والمؤمنون} O لمن لم يقف على من ربه. {المصير} O {وسعها} ط {ما اكتسبت} ط {أو أخطأنا} ج {من قبلنا} ج لأن النداء للابتداء ولكن الواو لعطف السؤال على السؤال {لنا به} ج {واعف عنه} وقفة {واغفر لنا} كذلك {واحمنا} كذلك للتفصيل بين أنواع المقاصد والاعتراف بأن أطماعنا غير واحد {الكافرين} O. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

{للَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الارض} من الخلق كلهم عبيده وإماؤه، وهو خالقهم ورازقهم، وحكمه نافذ فيهم، معناه لا تعبدوا أحدًا سواه، لأنه هو الذي خلق المسيح والملائكة والأصنام، ويقال: لله ما في السموات وما في الأرض، يعني في كل شيء دلالة ربوبيته ووحدانيته. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {للهِ مَا فِي السَّمَواتِ وما في الأرض} في إضافة ذلك إلى الله تعالى قولان:
أحدهما: أنه إضافة تمليك تقديره: الله يملك ما في السماوات وما في الأرض.
والثاني: معناه تدبير ما في السماوات وما في الأرض. اهـ.

.قال أبو حيان:

الظاهر في: اللام، أنها للملك، وكان ملكًا له لأنه تعالى هو المنشئ له، الخالق.
وقيل: المعنى لله تدبير ما في السموات وما في الأرض، وخص السموات والأرض لأنها أعظم ما يرى من المخلوقات، وقدم السموات لعظمها، وجاء بلفظ: ما، تغليبًا لما لا يعقل على من يعقل، لأن الغالب فيما حوته إنما هو جماد وحيوان، لا يعقل، وأجناس ذلك كثيرة.
وأما العاقل فأجناسه قليلة إذ هي ثلاثة: إنس وجنّ وملائكة. اهـ.

.قال الفخر:

احتج الأصحاب بقوله: {للَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} على أن فعل العبد خلق الله تعالى، لأنه من جملة ما في السموات والأرض بدليل صحة الاستثناء، واللام في قوله: {لِلَّهِ} ليس لام الغرض، فإنه ليس غرض الفاسق من فسقه طاعة الله، فلابد وأن يكون المراد منه لام الملك والتخليق. اهـ.
وقال أيضا رحمه الله:
احتج الأصحاب بهذه الآية على أن المعدوم ليس بشيء لأن من جملة ما في السموات والأرض حقائق الأشياء وماهياتها فهي لابد وأن تكون تحت قدرة الله سبحانه وتعالى وإنما تكون الحقائق والماهيات تحت قدرته لو كان قادرًا على تحقيق تلك الحقائق، وتكوين تلك الماهيات، فإذا كان كذلك كانت قدرة الله تعالى مكونة للذوات، ومحققة للحقاق، فكان القول بأن المعدوم شيءً باطلًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وإبداء ما في النفس: إظهاره، وهو إعلانه بالقول، فيما سبيله القول، وبالعمل فيما يترتّب عليه عمل؛ وإخفاؤه بخلاف ذلك، وعطف {أو تخفوه} للترقّي في الحساب عليه، فقد جاء على مقتضى الظاهر في عطف الأقوى على الأضعف، وفي الغرض المسوق له الكلام في سياق الإثبات.
وما في النفي يعمّ الخير والشر.
والمحاسبة مشتقّة من الحُسبان وهو العدّ، فمعنى يحاسبكم في أصل اللغة: يعُدُّه عليكم، إلاّ أنّه شاع إطلاقه على لازم المعنى وهو المؤاخذة والمجازاة كما حكى الله تعالى: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} [الشعراء: 113] وشاع هذا في اصطلاح الشرع، ويوضّحه هنا قوله: {فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}.
وقد أجمل الله تعالى هنا الأحوال المغفورة وغير المغفورة: ليكون المؤمنون بين الخوف والرجاء، فلا يقصّروا في اتّباع الخيرات النفيسة والعملية، إلاّ أنّه أثبت غفرانًا وتعذيبًا بوجه الإجمال على كلَ ممَّا نُبديه وما نخفيه. اهـ.